مارد الحجاز

بطل قصتنا وهو أول مولود ولد في الإسلام بعد الهجرة للمهاجرين، فحنَّكه رسول الله بتمرة لاكها فيفِيه، ثم حنّكه بها، فكان ريق رسول الله أول شيء دخل جوفه، وسمّاه عبد الله، وكناه أبا بكر بجدِّه أبيبكر الصّدّيق

( والتحنيك هو مضغ جزء من التمر ثم وضعها في فم الرضيع وتحرك في سقف الفك العلوي للفم )

كما تنبَّأ له سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمستقبل باهر؛ لما رأى من رباطة جأشه وثبات قلبهواعتداده بنفسه؛

فقد مرَّ سيدنا عمر بسيدنا عبد الله وهو يلعب مع رفاقه من الصبيان، فأسرعوا يلوذون بالفرار هيبةً منسيدنا عمر وإجلالاً له، في حين ثبت سيدنا عبد الله، ولزم مكانه،

فقال له عمر رضي الله عنه: ما لك لم تفر معهم؟ فقال سيدنا عبد الله رضي الله عنه: لم أجرم فأخافك،ولم يكن الطريق ضيقًا فأوسع لك .

وسوال عمر بن عبد العزيز رحمه الله يومًا عن وصف سيدنا عبد الله رضي الله عنه. فقال: "والله ما رأيتنفسًا رُكّبت بين جَنْبين مثل نفسه، ولقد كان يدخل في الصلاة فيخرج من كل شيء إليه،

وكان يركع أو يسجد فتقف العصافير فوق ظهره وكاهله، لا تحسبه من طول ركوعه وسجوده إلا جدارًا أوثوبًا مطروحًا،

ولقد مرَّت قذيفة منجنيق بين لحيته وصدره وهو يصلي، فوالله ما أحسَّ بها ولا اهتزَّ لها، ولا قطع منأجلها قراءته، ولا تعجَّل ركوعه"

- وسئل عنه ابن عباس رضي الله عنه فقال : "كان قارئًا لكتاب الله، مُتَّبِعًا سنة رسوله، قانتًا لله، صائمًافي الهواجر من مخافة الله، ابن حواريّ رسول الله، وأمه أسماء بنت الصديق، وخالته عائشة زوجة رسولالله، فلا يجهل حقه إلا من أعماه الله "

هل عرفتم من هو صاحب قصتنا اليوم ؟

نعم هو مارد الحجاز الصحابي الجليل عبدالله بن الزبير بن العوام رضى الله عنهما

كان لسيدنا عبد الله بن الزبير رضي الله عنه مزرعة بمكة بجوار مزرعة سيدنا معاوية رضي اللهعنه، وكان عمال سيدنا معاوية رضي الله عنه يدخلونها،

فكتب ابن الزبير رضي الله عنه لسيدنا معاوية رضي الله عنه خطابًا كتب فيه: (من عبد الله بنالزبير ابن ذات النطاقين وابن حواري الرسول إلى معاوية ابن هند بنت آكلة الأكباد، إن عمالكيدخلون مزرعتي، فإن لم تنههم ليكونَنَّ بيني وبينك شأن، والسلام).

فلما وصل الخطاب لسيدنا معاوية رضي الله عنه كتب له خطابًا ذكر فيه: (من معاوية ابن هند اكلة الأكباد إلى ابن الزبير ابن ذات النطاقين وابن حواري الرسول، لو كانت الدنيا لي فسألتهالأعطيتكها، ولكن إذا وصلك خطابي هذا فضُم مزرعتي إلى مزرعتك، وعمالي إلى عمالك، فهي لك،والسلام).

فلما قرأها سيدنا عبدالله بلَّها بالدموع، وركب من مكة إلى سيدنا معاوية في الشام، وقبَّل رأسه،وقال له: "لا أعدمك الله عقلاً أنزلك هذه المنزلة".

ولما تولى يزيد بن معاوية الخلافة سنة (60هـ/ 679م)، حرص على أخذ البيعة له ولو جاء الأمرقسرًا وقهرًا لا اختيارًا وطواعية ولكن استعصت عليه بلاد الحجاز

حيث يعيش أبناء الصحابة وكان في مقدمة الممتنعين سيدنا الحسين بن علي وعبد الله بن الزبيررضي الله عنهما، غير أن محاولاته باءت بالفشل ،

وامتدة ولاية سيدنا عبدالله مايقارب العشر سنوات على كل من الحجاز ومصر واليمن والعراق وجزءكبير من بلاد الشام

وعندما بلغ سيدنا عبالله بن الزبير من العمر ٧٢ سنة وبالتحديد في السنة ٧٣ للهجره وبامر منعبد الملك بن مروان توجّه الحجاج اللثقفي على رأس جيش كبير من عشرين ألفًا من جند الشامإلى الحجاز،

وقام بنصب المنجنيق (آلة حربية كانت تُستخدم لقذف الحجارة والسهام) فوق جبل أبي قبيس

وضرب حصارًا على مكة استمر خمس شهور ونصف وقيل تسع ادى الي اصابة أهل مكة مجاعةكبيرة مما جعل ابن الزبير يضطر إلى ذبح فرسه من أجل إطعام الناس

كان يقاتل سيدنا عبدالله قتال شديد. وهو من الاربع المشهورين في الاسلام بقدرتهم على القتالبسيفين في اننا معا ‏:‏ وكان يخرج من باب المسجد الحرام وهناك خمسمائة فارس وراجل، فيحملعليهم فيتفرقون عنه يميناً وشمالاً، ولا يثبت له أحد

لقد وجد الحجاج واعوانه الصعوبه الشديده في الانتصار عليه كماقتل الكثير من الطرفين

وعقب هذه الاحداث شعر ابن الزبير أن الحصار يشتد ويشتد عليه ، فذهب إلى أمه السيدة أسماء بنت أبي بكر ليزورها وياخذ رايها فقالت له :”أنت والله يا بني أعلم بنفسك ؛ إن كنت تعلم أنك علىحق وإليه تدعو ؛ فامض له ، فقد قتل عليه أصحابك .

ولا تمكن رقبتك يلعب بها غلمان أمية ، وإن كنت إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت! أهلكت نفسكوأهلكت من قتل معك ، وإن قلت : كنت على حق فلما وهن أصحابي ضعفت ؛ فهذا ليس فعل الأحرار ولاأهل الدين ، وكم خلودك في الدنيا ؟! القتل أحسن “.

بعد أن استمع ابن الزبير رضى الله عنه إلى حديث أمه ؛ قام بتقبيل رأسها ثم سألها أن تقوم بالدعاءلأجله ، وانصرف وهو يعزم على متابعة القتال ،

ولم يمض الكثير من الوقت حتى قام الجيش بالهجوم على مكة ، فقتلوا الكثيرين من أهلها ومن أصحاب ابن الزبير رضى الله عنه الذي قاتلهم قتالًا قويًا

فخرج عليهم وحاربهم بضراوة إلى أن رموه بآجُرَّة في وجهه، فلم يأبه لها، ولكنّه عندما وجد حرارة الدّمورآه ينزل على وجهه تمثّل بقولهم.

ولسنا على الأعقاب تُدمى كلومنا * ولكن على أقدامنا تقطر الدما

فوقع -رضي الله عنه- وكان عمره اثنان وسبعين عامًا، فتجمّعوا عليه وقتلوه.

لم يكتفو بقتله ولكن تم قطع راسه وارساله الي عبد الملك وتم صلب جسده في الحرم جلس كذلك لمدة ٧٠يوما ورائحة المسك تفوح من